فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود:

{أَلَمْ تَرَ} خطابٌ للرسول صلى الله عليه وسلم والمرادُ به أمتُه، وقيل: لكل أحد من الكفرة لقوله تعالى: {يُذْهِبْكُمْ} والرؤيةُ رؤيةُ القلب وقوله تعالى: {أَنَّ الله خَلَقَ السموات والأرض} سادٌّ مسدَّ مفعوليها، أي ألم تعلمْ أنه تعالى خلقهما {بالحق} ملتبسةً بالحكمة والوجهِ الصحيح الذي يحِق أن تخلَقَ عليه، وقرئ {خالقُ السموات والأرض} {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ} يُعدمْكم بالمرة {وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} أي يخلُق بدلكم خلقًا آخرَ مستأنَفًا لا علاقة بينكم وبينهم، رتب قدرتَه تعالى على ذلك على قدرته تعالى على خلق السموات والأرض على هذا النمط البديعِ إرشادًا إلى طريق الاستدلالِ فإن من قدَر على خلق مثلِ هاتيك الأجرامِ العظيمةِ كان على تبديل خلق آخرَ بهم أقدر ولذلك قال: {وَمَا ذلك} أي إذهابُكم والإتيانُ بخلق جديد مكانكم {عَلَى الله بِعَزِيزٍ} بمتعذر أم متعسر فإنه قادرٌ بذاته على الممكِنات لا اختصاصَ له بمقدور دون مقدورٍ، ومَنْ هذا شأنُه حقيقٌ بأن يؤمَنَ به ويرجى ثوابُه ويُخشى عقابه.
{وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعًا} أي يبرُزون يوم القيامة، وإيثارُ صيغة الماضي للدَّلالة على تحقق وقوعِه كما في قوله سبحانه: {وَنَادَى أصحاب الجنة أصحاب النار} أو لأنه لا مُضِيَّ ولا استقبالَ بالنسبة إليه سبحانه، والمرادُ بروزُهم من قبورهم لأمر الله تعالى ومحاسبته، أو لله على ظنهم فإنهم كانوا يظنون عند ارتكابِهم الفواحشَ سرًا أنها تخفى على الله سبحانه، فإذا كان يومُ القيامة انكشفوا لله عند أنفسِهم {فَقَالَ الضعفاء} الأتباعُ جمع ضعيف، والمرادُ ضعفُ الرأي، وإنما كتب بالواو على لفظ من يفخم الألف قبل الهمزة {لِلَّذِينَ استكبروا} لرؤسائهم الذين استتبعوهم واستغوَوْهم {إِنَّا كُنَّا} في الدنيا {لَكُمْ تَبَعًا} في تكذيب الرسل عليهم السلام والإعراضِ عن نصائحهم، وهو جمعُ تابع كغيب في جمع غائب، أو مصدر نُعت به مبالغةً، أو على إضمار أي ذوي تبع {فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ} دافعون {عَنَّا} والفاء للدِلالة على سببية الاتباعِ للإغناء، والمرادُ التوبيخُ والعتابُ والتقريعُ والتبكيت {مِنْ عَذَابِ الله مِن شَىْء} من الأولى للبيان واقعةٌ موقعَ الحال، والثانية للتبعيض واقعةٌ موقعَ المفعول، أي بعضُ الشيء الذي هو عذابُ الله تعالى ويجوز كونُهما للتبعيض أي بعضَ شيءٍ هو بعضُ عذاب الله والإعراب كما سبق ويجوز أن تكون الأولى مفعولًا والثانية مصدرًا أي فهل أنتم مغنون عنا بعضَ العذاب بعضَ الإغناء، ويعضُد الأولَ قوله تعالى: {فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مّنَ النار}.
{قَالُواْ} أي المستكبرون جوابًا عن معاتبة الأتباعِ واعتذارًا عما فعلوا بهم {لَوْ هَدَانَا الله} أي للإيمان ووفّقنا له {لَهَدَيْنَاكُمْ} ولكن ضَلَلْنا فأضللناكم أي اخترنا لكم ما اخترناه لأنفسنا، أو لو هدانا الله طريقَ النجاة من العذاب لهديناكم وأغنينا عنكم كما عرّضناكم له، ولكن سُدّ دوننا طريقُ الخلاص ولاتَ حينَ مناص {سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا} مما لقِينا {أَمْ صَبَرْنَا} على ذلك أي مستوٍ علينا الجزَعُ والصبرُ في عدم الإنجاء، والهمزةُ وأم لتأكيد التسويةِ كما في قوله تعالى: {سَوَاء عَلَيْهِمْ ءأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ} وإنما أسندوهما ونسبوا استواءَهما إلى ضمير المتكلم المنتظِمِ للمخاطبين أيضًا مبالغةً في النهي عن التوبيخ بإعلام أنهم شركاءُ لهم فيها ابتُلوا به وتسليةً لهم، ويجوز أن يكون قوله: {سَوَاء عَلَيْنَا} إلخ، من كلام الفريقين على مِنوال قوله تعالى: {ذلك لِيَعْلَمَ أَنّى لَمْ أَخُنْهُ} ويؤيده ما روي «أنهم يقولون: تعالَوا نجزَعْ فيجزعون خمسَمائة عام فلا ينفعهم، فيقولون: تعالَوا نصبِرْ فيصبِرون كذلك فلا ينفعهم فعند ذلك يقولون ذلك»، ولما كان عتابُ الأتباع من باب الجزَعِ ذيّلوا جوابَهم ببيان أن لا جدوى في ذلك فقالوا: {مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ} من منجى ومهربٍ من العذاب، من حاص الحمارُ إذا عدل بالفرار، وهو إما اسمُ مكان كالمبيت والمَصيف، أو مصدرٌ كالمغيب والمشيب وهي جملةٌ مفسِّرة لإجمال ما فيه الاستواءُ فلا محل لها من الإعراب، أو حالٌ مؤكدة، أو بدلٌ منه. اهـ.

.قال الألوسي:

{أَلَمْ تَرَ}.
خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم والمراد به أمته الذين بعث إليهم، وقيل: خطاب لكل واحد من الكفرة لقوله تعالى: {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ} والرؤية رؤية القلب، وقوله تعالى: {أَنَّ الله خَلَقَ السموات والأرض} ساد مسد مفعوليها أي ألم تعلم أنه تعالى خلقهما {بالحق} أي ملتبسة بالحكمة والوجه الصحيح الذي يحق أن يخلق عليه.
وقرأ السلمي {أَلَمْ تَرَ} بسكون الراء ووجهه أنه أجرى الوصل مجرى الوقف، قال أبوحيان: وتوجيه آخر وهو أن {تَرَى} حذفت العرب ألفها في قولهم: قام القوم ولو تر ما زيد كما حذفت ياء لا أبالي وقالوا لا أبال فلما دخل الجازم تخيل أن الراء هي آخر الكلمة فسكنت للجازم كما قالوا في لا أبال لم أبل، تخيلوا اللام آخر الكلمة، والمشهور التوجيه الأول.
وقرأ الأخوان {خالق السموات والأرض} بصيغة اسم الفاعل والإضافة وجر {الأرض}.
{إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ} يعدمكم أيها الناس كما قاله جماعة أو أيها الكفرة كما روى عن ابن عباس بالمرة {وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} أي يخلق بدلكم خلقًا مستأنفًا لا علاقة بينكم وبينهم، والجمهور على أنه من جنس الآدميين، وذهب آخرون إلى أنه أعم من أن يكون من ذلك الجنس أو من غيره، أورد سبحانه هذه الشرطية بعد أن ذكر خلقه السموات والأرض إرشادًا إلى طريق الاستدلال فإن من قدر على خلق مثل هاتيك الأجرام العظيم كان على إعدام المخاطبين وخلق آخرين بدلهم أقدر ولذلك قال سبحانه: {وَمَا ذلك} أي المذكور من إذهابكم والإتيان بخلق جديد مكانكم {عَلَى الله بِعَزِيزٍ} بمتعذر أو متعسر فإنه سبحانه وتعالى قادر بذاته لا باستعانة وواسطة على جميع الممكنات لا اختصاص له بمقدور دون مقدور.
وهذه الآية على ما في الكشاف بيان لإبعادهم في الضلال وعظم خطبهم في الكفر بالله تعالى لوضوح آياته الشاهدة له الدالة على قدرته الباهرة وحكمته البالغة وأنه هو الحقيق بأن يؤمن به ويرجى ثوابه ويخشى عقابه.
{وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعًا}.
أي يبرزون يوم القيامة، وإيثار الماضي لتحقق الوقوع أو لأنه لا مضي ولا استقبال بالنبسة إليه سبحانه، والمراد ببروزهم لله ظهورهم من قبورهم للرائين لأجل حساب الله تعالى، فاللام للتعليل وفي الكلام حذف مضاف، وجوز أن تكون اللام صلة البروز وليس هناك حذف مضاف، ويراد أنهم ظهروا له عز شأنه عند أنفسهم وعلى زعمهم فإنهم كانوا يظنون عند ارتكابهم الفواحش سرًا أنها تخفى على الله تعالى فإذا كان يوم القيامة انكشفوا له تعالى عند أنفسهم وعلموا أنه لا تخفى عليه جل شأنه خافية، وقال ابن عطية: معنى برزوا صاروا بالبراز وهي الأرض المتسعة فاستعير ذلك لمجمع يوم القيامة، وهذا ميل إلى التعليل والحذف.
ونقل الإمام عن الحكماء في تأول البروز أن النفس إذا فارقت الجسد فكأنه زال الغطاء وبقيت مجردة بذاتها عارية عن كل ما سواها وذلك هو البروز لله تعالى وهو كلام تعده العرب من الأحاجي ولذا لم يلتفت إليه المحدثون.
وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما {وَبَرَزُواْ} مبنيًا للمفعول وبتشديد الراء، والمراد أظهرهم الله تعالى وأخجرهم من قبورهم لمحاسبته {فَقَالَ الضعفاء} جمع ضعيف، والمراد بهم ضعاف الرأي وهم الاتباع، وكتب في المصحف العثماني بواو قبل الهمزة، ووجه ذلك بأنه على لفظ من يفخم الألف قبل الهمزة فيميلها إلى الواو، ونظيره {عُلَمَاؤُا بني إسرائيل} [الشعراء: 197].
ورد ذلك الجعبي قائلًا: إنه ليس من لغة العرب ولا حاجة للتوجيه بذلك لأن الرسم سنة متبعة، وزعم ابن قتيبة أنه لغة ضعيفة، ولو وجه بأنه اتباع للفظه في الوقف فإن من القراء من يقف في مثل ذلك بالواو كان حسنًا صحيحًا كذا ذكر فليراجع.
ولعل من أنصف لا يرى أحسن من ترك التوجيه.
{لِلَّذِينَ استكبروا} أي لرؤسائهم الذين استتبعوهم واستغووهم {إِنَّا كُنَّا} في الدنيا {لَكُمْ تَبَعًا} في تكذيب الرسل عليهم السلام والإعراض عن نصائحهم وهو جمع تابع كخادم وخدم وغايب وغيب أو اسم جمع لذلك ولم يذكر كونه جمعًا في البحر.
أو هو مصدر نعت به مبالغة أو بتأويل أو بتقدير مضاف أي تابعين أو ذوي تبع؛ وبه على سائر الاحتمالات يتعلق الجار والمجرور، والتقديم للحصر أي تبعًا لكم لا لغيركم.
وقيل: المعنى: إنا تبع لكم لا لرأينا ولذا سماهم الله تعالى ضعفاء، ولا يلزم منه كون الرؤساء أقوياء الرأي حيث ضلوا وأضلوا، ولو حمل الضعف على كونهم تحت أيديهم وتابعين لهم كان أحسن وليس بذاك.
{فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا} استفهام أريد به التوبيخ والتقريع، والفاء للدلة على سببية الاتباع للإغناء، وهو من الغناء بمعنى الفائدة وضمن معنى الدفع ولذا عدى بعن أي إنا اتبعناكم فميا كنتم فيه من الضلال فهل أنتم اليوم دافعون عنا {مِنْ عَذَابِ الله مِن شَىْء} أي بعض الشيء الذي هو عذاب الله تعالى بناء على ما قيل: إن {مِنْ} الثانية للتبعيض واقعة موقع المفعول للوصف السابق والأولى للبيان وهي واقعة موقع الحال من مجرور الثانية لأنها لو تأخرت كانت صفة له وصفة النكرة إذا قدمت أعربت حالًا، واعترض هذا الوجه بأن فيه تقديم من البيانية على ما تبينه وهو لا يجوز، وكذا تقديم الحال على صاحبها المجرور.
وأجيب بأن في كل من هذين الأمرين اختلافًا، وقد أجاز جماعة تقديم {مِنْ} البيانية وصحح ذلك لأنه إنما يفوت بالتقديم الوصفية لا البيانية، وكذا أجاز كثير كابن كيسان وغيرهم تقديم الحال على صاحبها المجرور فلعل الذاهب إلى هذا الوجه في الآية يرى رأي المجوزين لكل من التقديمين.
وقال بعض المدققين: جاز تقديم هذه الحال لأنها في الحقيقة عما سد مسده من شيء أعني بعض لا عن المجرور وحده، وفيه من البعد ما لا يخفى، وجوز أن تكون الأولى والثانية للتبعيض، والمعنى هل أنتم مغنون عنا بعض شيء هو بعض عذاب الله تعالى؛ والإعراب كما سبق، واختار بعضهم على هذا كون الحال عما سد مسده من شيء إذ لو جعل حالًا عن المجرور لآل الكلام إلى هل أنتم مغنون عنا بعض بعض عذاب الله تعالى ولا معنى له، وفيه أنه يفيد المبالغة في عدم الغناء كقولهم: أقل من القليل فنفي المعنى لا معنى له، ولا يصح الإلغاء إذ لا يصح أن يتعلق بفعل ظرفان من جنس دون ملابسة بينهما تصحح التبعية، وجعل الثاني بدلًا من الأول يأباه كما في الكشف اللفظ والمعنى؛ وقد تعقب أبو حيان توجيه التبعيض في المكانين كما سمعت بأن ذلك يقتضي البدلية فيكون بدل عام من خاص لأن {مِن شَىْء} أعم من قوله: {مِنْ عَذَابِ} وهذا لا يقال: لأن بعضية الشيء مطلقة فلا يكون لها بعض، ومما ذكرنا يعلم ما فيه.
وجوز أن تكون الأولى مفعولًا والثانية صفة مصدر سادة مسده، والشيء عبارة عن إغناء ما أي فهل أنتم مغنون عنا بعض عذاب الله بعض الإغناء.
وتعقب بأنه يلزم على هذا أن يتعلق بعامل ظرفان إلى آخر ما سمعت آنفًا، وفيه نظر لأن لكون أحدهما في تأويل المفعول به والآخر في تأويل المفعول المطلق صح التعلق ولم يكونا من جنس واحد، وقد يقال: إن تقييد الفعل بالثاني بعد اعتبار تقييده بالأول فليس العامل واحدًا.
ونص الحوفي وأبو البقاء على أن {مِنْ} الثانية زائدة للتوكيد وسوغ زيادتها تقدم الاستفهام الذي هو هنا في معنى النفي، و{عَذَابُ الله} أما متعلق بمغنون أو متعلق بمحذوف وقع حالًا من {شَىْء} أي شيئًا كائنًا من عذاب الله تعالى أو مغنون من عذاب الله تعالى غناء ما {قَالُواْ} أي المستكبرون جوابًا عن توبيخ الضعفاء وتقريعهم واعتذارًا عما فعلوا بهم: {لَوْ هَدَانَا الله} إلى الايمان ووفقنا له {لَهَدَيْنَاكُمْ} ولكن ضللنا فضللناكم أي اهترنا لكم ما اخترنا لأنفسنا، وحاصله على ما قيل: إن ما كان منا في حكم هو النصح لكن قصرنا في رأينا، وقال الزمخشري: إنهم وركوا الذنب في ضلالهم وإضلالهم على الله تعالى وكذبوا في ذلك، ويدل على وقوع الكذب من أمثالهم يوم القيامة قوله تعالى حكاية عن المنافقين: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ الله جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ على شَىْء} [المجادلة: 18] وقد خالف في ذلك أصول مشايخه لأنهم لا يجوزون صدور الكذب عن أهل القيامة فلا يقبل منه، وجوز أن يكون المعنى لو كنا من أهل اللطف فلطف بنا ربنا واهتدينا لهديناكم إلى الايمان، ونقل ذلك القاضي وزيفه كما ذكره الإمام، وقيل: المعنى لو هدانا الله تعالى إلى الرجعة إلى الدنيا فنصلح ما أفسدناه لهديناكم وهو كما ترى، وقال الجياني.
وأبو مسلم: المراد لو هدانا الله تعالى إلى طريق الخلاص من العقاب والوصول إلى النعيم والثواب لهديناكم إلى ذلك، وحاصله لو خلصنا لخلصناكم أيضًا لكن لا مطمع فيه لنا ولكم، قال الإمام: والدليل على أن المراد من الهدي هو هذا أنه الذي طلبوه والتمسوه.
{سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا} مما لقينا {أَمْ صَبَرْنَا} على ذلك و{سَوَاء} اسم بمعنى الاستواء مرفوع على الخبرية للفعل المذكور بعده لأنه مجرد عن النسبة والزمان فحكمه حكم المصدر والهمزة و{أَمْ} قد جردتا عن الاستفهام لمجرد التسوية ولذا صارت الجملة خبرية فكأنه قيل: جزعنا وصبرنا سواء علينا أي سيان، وإنما أفرد الخبر لأنه مصدر في الأصل، وقال الرضي في مثله: إن {سَوَاء} خبر مبتدأ محذوف أي الأمران سواء ثم بين الأمر أن بقولهم: {أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا} وما قيل: من أن {سَوَاء} خبر مبتدأ والجملة جزاء للجملة المذكورة بعد لتضمنها معنى الشرط، وإفادة همزة الاستفهام معنى إن لاشتراكهما في الدلالة على عدم الجزم، والتقدير إن جزعنا أم صبرنا فالأمران سيان فتكلف كما لا يخفى، والجزع حزن يصرف عما يراد فهو حزن شديد.
وفي البحر هو عدم احتمال الشدة فهو نقيض الصبر، وإنما أسندوا كلًا من الجزع والصبر واستوائهما إلى ضمير المتكلم المنتظم للمخاطبين أيضًا مبالغة في النهي عن التوبيخ بإعلامهم أنهم شركاء لهم فيما ابتلوا به وتسلية لهم.
وجوز أن يكون هذا من كلام الفريقين فهو مردود إلى ما سيق له الكلام وهم الفريقان، ولا نظر إلى القرب كما قيل في قوله تعالى: {ذلك لِيَعْلَمَ أَنّى لَمْ أَخُنْهُ بالغيب} [يوسف: 52] وأيد ذلك بما أخرجه ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن كعب بن مالك رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيما يظن أنه قال: «يقول أهل النار: هلموا فلنصبر فيصبرون خمسمائة عام فلما رأوا ذلك لا ينفعهم قالوا: هلموا فلنجزع فيبكون خمسمائة عام فلما رأوا ذلك لا ينفعهم قالوا: {سَوَاء عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا} الآية»، وإلى كون هذه المحاورة بين الضعفاء والمستكبرين في النار ذهب بعضهم ميلًا لظواهر الأخبار.
واستظهر أبو حيان أنها في موضع العرض وقت البروز بين يدي الله تعال، ى وقول الاتباع: {فَهَلْ أَنتُمْ مُّغْنُونَ عَنَّا} جزع منهم، وكذا جواب الرؤساء باعترافهم بالضلال، واحتمال أنه من كلام الأولين فقط خلاف الظاهر جدًا، وقوله تعالى: {مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ} جملة مفسرة لاجمال ما فيه الاستواء فلا محل لها من الإعراب أو حال مؤكدة أو بدل منه، والمحيص من حاص حاد وفر، وهو إما اسم مكان كالمبيت والمصيف أو مصدر ميمي كالمغيب والمشيب، والمعنى ليس لنا محل ننجوا فيه من عذابه أولًا نجاة لنا من ذلك. اهـ.

.قال القاسمي:

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحقِّ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} الخطاب للرسول صلوات الله عليه، والمراد به أمته. أو لكل أحد من الكفرة لقوله: {يذهبكم} والرؤية رؤية القلب.
وفي الآية وجهان من التأويل: أحدهما: أنها سيقت لبيان قدرته تعالى على معاد الأبدان يوم القيامة، بأنه خلق السماوات والأرض التي هي أكبر من خلق الناس. أي: أفليس الذي قدر على هذه السماوات في ارتفاعها واتساعها وعظمتها وما فيها من الكواكب الثوابت والسيارات والآيات الباهرات، وهذه الأرض بما فيها من مهاد ووهاد وأوتاد وبراري وقفار وبحار وأشجار ونبات وحيوان على اختلاف أصنافها ومنافعها وأشكالها وألوانها: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأحقاف: 33].